معرفة

يوسف السباعي يكتب: محمد رسول الحب والرحمة

من ظلمة الانتقام إلى نور الحب: كيف غيّر النبي ﷺ مجتمعًا كان يقدّس الانتقام ويعتبر العفو ضعفًا، فحوله إلى أمةٍ شعارها الرحمة، حتى مع الأعداء؟

future صورة تعبيرية (غلاف مقال للكاتب الكبير يوسف السباعي نُشِر بمجلة الهلال عن النبي ﷺ عام 1978)

نُشِر هذا المقال لأول مرة بمجلة الهلال المصرية في أغسطس 1978م/ شعبان 1398هـ ضمن عدد تاريخي جاء تحت عنوان «محمد رؤية جديدة»، أصدره الدكتور حسين مؤنس، رئيس تحرير المجلة، وشارك فيه أكثر من 40 كاتبًا وأديبًا وعالمًا من ألمع كتاب مصر. (يتوفر نسخة صوتية من المقال في نهايته)

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الرحمة ويحثّ أصحابه عليها، وكان في تعامله مع الناس قدوةً صالحةً للرحمة.
يرحم الصغير والكبير، ويرحم الصديق والعدو، ويبدأ الناس بالرحمة، وكان قلبه الكريم يذوب شفقةً بالمساكين الذين يستحقون الرحمة.

قال صلى الله عليه وسلم: «اللهمّ أحْيِني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين».

وسأله بعض أصحابه: «يا رسول الله، إنّا لنرحم أزواجنا وأهلينا». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولم يعجبه قول صاحبه): «ما أقلّ فهمَك للرحمة! ما هذا أريد؟ إنما أريد الرحمة التي تعمُّ الجميع، لا الرحمة التي تخصُّ بها أهلك وأولادك».

ولقد خاطب الله سبحانه وتعالى رسوله الأكرم في القرآن الكريم بقوله: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}

وقال عزّ من قائل: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ}

وفي آيةٍ أخرى: {محمد رسول الله والذين معه أشداءُ على الكفار رحماء بينهم}

وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحمته حدًّا جعله مثالًا أعلى في رحمة الإنسان بالإنسان؛ فكان يوصي بالرحمة حتى بالأعداء. ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم لأحد أمراء جيوشه:

«اغزوا ولا تَغُلّوا، ولا تغدروا، ولا تَمثّلوا بأحد، فإن الله سبحانه وتعالى يكره المَثْلَة، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيتم عدوَّكم من المشركين فادعوهم إلى الإسلام، فإن أجابوكم فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم».

وفي وصية أخرى لبلال، عندما أقبل وفد إلى المدينة وكان من أعداء الإسلام، قال: «ادعُهم إلى الانتقال إلى دار المهاجرين، وأبلغهم أنّه من فعل ذلك فله مثل ما للمهاجرين وعليه مثل ما عليهم».

ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنّه ما سُئلَ شيئًا قطُّ إلا أعطى ما في يده، ولا سمع عن جائع إلا أرسل إليه خير ما عنده من الطعام، وما رأى طفلًا يبكي إلا رقّ له، وواساه وأعطاه ما يسرّه.

من أقواله صلى الله عليه وسلم في الرحمة والعفو

  1. «الرَّاحِمونَ يرحمهم الرَّحمن».

  2. «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

  3. «من لا يرحم لا يُرحم، ومن لا يغفر لا يُغفر له».

  4. «إني لم أُبعث لعّانًا، إنما بُعثت رحمةً للعالمين».

  5. «من عفا عند المقدرة عفا الله عنه يوم القيامة».

  6. «إن الله عفوّ يحب العفو».

  7. «ما عفا الرجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزًّا يوم القيامة».

  8. «ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك. خاب عبدٌ وخسر من لم يجعل الله في قلبه رحمةً للبشر».

  9. «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره؛ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه؛ ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت».

  10. «مثل المؤمنين في توادّهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

من أفعاله صلى الله عليه وسلم في الرحمة

  • سأل أهل مكة بعد الفتح: «ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا: «خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم». فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

  • قال أنس بن مالك: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أفٍّ قط، ولا قال لشيءٍ صنعته: لِمَ صنعته؟ ولا لشيءٍ لم أصنعه: لِمَ لم تصنعه؟».

  • قيل له وهو يقاتل أعداءه: «لو لعنتهم يا رسول الله؟» فقال: «إنما بُعثت رحمة، ولم أُبعث لعّانًا».

  • شكا إليه رجل أنّ الإمام يُطيل الصلاة، فيتأخر عن صلاة الصبح مع الجماعة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أيكم يصلّي بالناس فليُجْزِهم؛ فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة».

وقال الله تعالى في شأنه: {فبما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك، فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}

الرحمة والعفو مع المنافقين

كان صلى الله عليه وسلم آية في العفو؛ فلم يُؤثر عنه أنه غضب على أحد إلا للدين. ومعاملته للمنافقين وكبيرهم عبد الله بن أُبيّ بن سلول تدل على عظمة رحمته؛ فلما حضرته الوفاة عاده الرسول صلى الله عليه وسلم، وجلس إلى جواره وسأله أن يطلب ما يريد. فسأله أن يعطيه بردته، فخلعها النبي ووضعها عليه. ولما مات، صلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قول الله تعالى: {ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبدًا}

الحب في سيرة النبي ﷺ

ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم في مجتمع قاسٍ لا يعرف الحب ولا المغفرة؛ فقد كان الجاهليون يعدّون الانتقام من مكارم الأخلاق، والمغفرة ضعفًا. فلما جاء الإسلام، دعا النبي إلى المحبة والأخوة، وجعل الحب في الله أساس الإيمان.

  • «أحبّ الأعمال إلى الله: الحبّ في الله».

  • «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».

  • «لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابّوا. ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».

  • «أحسن إلى جارك تكن مؤمنًا... وأحبّ للناس ما تحبّ لنفسك تكن مسلمًا».

  • «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق».

  • «كل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق».

أحاديث أخرى في مكارم الأخلاق

  • «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا».

  • «أعطِ الأجير حقه قبل أن يجفّ عرقه».

  • «من أحبّ أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه».

  • «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

  • «ثلاث مهلكات: شُحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه».

  • «إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

  • «طوبى للمخلصين؛ أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة مظلمة».

* نسخة صوتية للمقال عبر منصة رُواة

# المولد النبوي # السيرة النبوية

خالد محمد خالد يكتب: مع محمد ضد الكذب والعجز والألم
ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزة
طه حسين يكتب: محمد وخديجة

معرفة